انتشار المذهب المالكي في مملكة البحرين

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

(خرجت جزيرة أوال عن حكم القرامطة على يد أبي البهلول بن الزجاج العبدي في عام (447هـ/1056م)، وقد ذكر في كتابه إلى ديوان الخلافة العباسية أن أهلها من بني عبدالقيس على مذهب السنة والجماعة، مذهب أبي حنيفة النعمان، وقد يعني بمذهب أبي حنيفة النعمان اتفاق عقيدته مع عقيدة مذهب الخلافة العباسية، بدليل وجود عدد من بني عبدالقيس ممن كان على مذهب مالك كما مر.

ثم بقيت جزيرة أوال في تقلبٍ بين الحكام واحتلها المغول، وانتشر بها الشيعة الإمامية، إلا أن أهلها الأصليين من أهل السنة والجماعة، فمن فقهاء المالكية بها الشيخ عبدالله بن محمود الأنصاري المالكي من أهل سماهيج كان حيا عام (943هـ/1537م)، والشيخ أحمد بن حسن الأنصاري المالكي (بعد 1029هـ/1620م) كما كان بها عدد من فقهاء الشافعية.

وفي (1039هـ/1630م) دخلت البحرين تحت سلطان الدولة الصفوية الشيعية، وفي عهد نادر شاه ولّى آل مذكور وهم سنة شافعية على جزيرة البحرين عام (1150هـ/1738م) وبقيت تحت حكمهم إلى دخول آل خليفة (1197هـ/1783م) ومعهم قبائل العتوب المالكيّة ازدهر المذهب في البحرين.

وقد التقى الوريثلاني (1193هـ/1779م) في رحلته للحجّ بأحد المالكيّة من منطقة البحرين، قال عنه: ضرير فقيه عظيم يحفظ أكثر الشّروح، وهو مالكي من جزيرة العرب أعني البحرين، فلمّا سألته عن أكثر أهلها قال: مالكيون.)

 لم تكن جزيرة البحرين كغيرها من دول الخليج في تبعيتها لحكام الأحساء رغم قربها، بل كانت تحت سيطرتهم تارة وتحت سيطرة غيرهم تارة أخرى نظراً لكونها وسط البحر ولكونها ذات أهمية اقتصادية وعسكرية مهمة فكثر الراغبون في السيطرة عليها. فإن غلب عليها أهل السنة قوي وانتشر مذهبهم، وإن غلب عليها الشيعة – وهذا في فترات يسيرة ـ قوي وانتشر مذهبهم بها.

من المرجح أن المذهب المالكي قد انتشر في البحرين للأسباب التي اسلفناها في الأحساء إلى أن تغلب عليها القرامطة أواخر القرن الثالث الهجري، ولم يدم حكمهم على هذه الجزيرة إلا ما يقارب القرن فعادت سلطتها لأهل السنة ثم للدولة العيونية. وخلال حكم العصفوربين للأحساء في النصف الثاني من القرن السابع مر بأوال ابن المجاور في رحلته وذكر أن أهل أوال ـ جزيرة البحرين – شيعة إمامية، وفي قبول هذا النص أو رده نظر.

وخضعت بعد العصفوريين لبعض حكام المغول في النصف الثاني من القرن الثامن، وقد مر بها قبل هذه الفترة أي عام ٧٣٢ ابن بطوطة ولم يذكر عن مذهب أهلها شيئاً كما ذكر عن القطيف أنهم رافضية غلاة، وعن بعض مدن فارس أنهم شافعية، وهذا يشير إلى أن الغالب عليهم المذهب المالكي. ثم خضعت بعد ذلك للدولة الجبرية المالكية التي مقرها الأحساء، ومن المؤكد أن المذهب المالكي قد زاد ازدهاره في هذه الفترة التي اهتم حكامها بفروع المذهب المالكي كما تحدثنا ذلك في الأحساء.

وفي عام 1039 دخلت البحرين تحت سلطان الدولة الصفوية الشيعية في فارس بطلب من كثير من أهالي البحرين الذين أكثرهم ـ إذ ذاك ـ شيعة، وبضعف الدولة الصفوية تولى السلطة نادر شاه وكان ميالاً لمصالحة السنة فولى على جزيرة البحرين عام 1150 آل مذكور وهم شافعية من عرب فارس، ولم يدم حكمهم إلا نصف قرن وجد خلاله بعض الشافعية، وفي عام 1197 دخل آل خليفة، وهم مالكية، جزيرة البحرين من آل مذكور، فدخلت البحرين عهدًاً جديدًاً بدخولهم ودخول قبائل العتوب المالكية معهم فازدهر وزاد انتشاره.

يقول مبارك الخاطر (معاصر): «المذهب المالكي هو مذهب حكومة الشيخ عيسى بن علي ومن قبله من حكام البحرين، فبسبب ان جميع الذين استوطنوا البحرين من القادمين من الزبارة بقطر آنذاك ـ وأغلبهم من القبائل العربية – كانوا مالكيي المذهب، أصبح هذا المذهب هو المذهب السائد من أواخر القرن الثامن عشر (الميلادي)، أي بعد دخول آل خليفة عام 1197.

وأكد لي هذا المعنى كثير من رجالات البحرين وبعض وزرائهم، ويقول لوريمر: «العتوب من المسلمين السنة على المذهب المالكي وهي أقوى قبائل البحرين وأكثرها عدداً، وتنتمي الأسرة الحاكمة في البحرين والكويت لهذه القبيلة». وبالرجوع إلى جدول لـوريـمـر الخاص عـن بـيـوتـات الـبـحـريـن والكويت نجد أن أكثر من ٨٠٪ مالكية وما يقارب ۱۷٪ شافعية، أما الأحناف والحنابلة فنسبتهم ضئيلة جداً، هذا بالنسبة للسنة الذين يشكلون %60 على حد قوله.

على أننا نراه في موطن آخر يقول عن الشيعة بأنهم أقلية قوية.

ويقول أحمد تيمور باشا: «ويغلب على البحرين المالكي وفيها حنابلة من الواردين عليها من نجد».

وبمثل ذلك قال عبد الرحمن حسن، ولكن الصحيح أن نسبة الشافعية أكبر من نسبة الحنابلة بها في هذا الوقت.

ولآل خليفة دور في مساعدة العلماء المالكية وتهيئة المدارس لهم خارج جزيرة البحرين، فمن ذلك وثيقة وقفية على مدرسة أنشأها آل خليفة في الأحساء عام ١٢٠٠ وجعلوها خاصة بالعلماء المالكية.

تنبيه

رسالة للسادة الباحثين المهتمين بنشر تاريخ العلم وتوثيقه: يرجى التواصل معنا في حال توافر مقالة في هذا الباب يمكن نشرها، وذلك لتثري المحتوى الموجود  لتكون مرجعًا للباحثين.

البريد الإلكتروني: maqalat@islamqa-bh.com

رقم الهتاف: ٩٧٣٣٨٧٥٧٧٣٧+

المصادر:

مقدمة تحقيق سماحة الشيخ الدكتور عبد الحميد آل الشيخ مبارك حفظه الله تعالى لكتاب تسهيل المسالك إلى مذهب الإمام مالك.

كتاب تاريخ المذهب المالكي في الإمارات للشيخ ثاني بن صقر المهيري نفع الله به.