انتشار المذهب المالكي في الجزيرة العربية والعراق

منذ القرن الثالث الهجري انتشر مذهب مالك من المدينة المنورة في أرض الحجاز وغلب على أهلها، ومنها خرج إلى جهات من اليمن ، إلّا أنّه طرأ على الحجاز مؤثر الدّولة الأيوبيّة ، فغلب عليها المذهب الشّافعي، كما تعرض للمدّ الشّيعي لفترةٍ ليست بقصيرة، إلا أن المذهب ظل قائما، فقد ذكر ابن جبير في رحلته عام (579هـ/1184م): أن قدوة الحاج في النَفْر هو الإمام
المالكي ، وذكر ابن رشيد الفهري في رحلته عام (684هـ/1286م) أن فقيهي الحرم المكي ومفتييه كانا مالكيين ، وكذلك البلوي في رحلته إلى الحج عام (737هـ/1337م) حيث ذكر أن إمام أئمة الحرم وخطيبه مالكي . قال قاضي المدينة المنورة عبدالرحمن ابن فرحون (ت799هـ/1397م): “فغلب مذهب مالك -رحمه الله-على أهل الحجاز إلى وقتنا هذا”
ويعد القرنان التاسع والعاشر زمن ازدهار المدارس التي اعتنت بتدريس مذهب مالك والمناظرة فيه في الجزيرة العربية، فمن المدارس التي درست المذهب المالكي في الحجاز: مدرسة الفيروز آبادي بمكة انشئت (803ه/1401م) ، والمدرسة الغياثية انشئت سنة (814ه/1411م) ، مدرسة قايتباي بناها السلطان المملوكي الأشرف قايتباي (901هـ/1496م)، المدرسة المالكية السليمانية أرقى المدارس السليمانية الأربع التي أسسها السلطان سليمان القانوني (974هـ/1566م) .
وقد استمر وجود المذهب المالكي في الحجاز، متمثلا في الكثير من الفقهاء والعلماء كالعلامة محمد الحطاب (949هـ/1542م) وابنه محمد (954هـ/1547م) والقاضي تاج الدين المالكي (960هـ/1553م) والقاضي بدر الدين الأنصاري المالكي (990هـ/1582م)، وخالد الجعفري المالكي (1044هـ/1634م) وغيرهم الكثير، إلى جانب عشرات الأسر العلمية المالكية التي استمرت في الحجاز إلى يومنا هذا، وقد كانت أشهر مجالس العلم في الحرم المكي الشريف قبل عام (1400ه/1980م)ـ لعلماء المالكية من أمثال الشيخ محمد العربي التباني الجزائري، والشيخ حسن المشاط، والسيد علوي بن عباس المالكي، والشيخ محمد نور بن سيف المهيري رحمهم الله.
العراق
انتقل المذهب المالكي إلى العراق مبكرا حيث أخذ جلة من أئمته عن الإمام مالك، كالإمام عبد الرّحمن بن مهدي (198هـ/814م)، وعبد الله بن مسلمة القعنبي (221هـ/836م) وانتشر بهم مذهب مالك فيها، فمن أئمة المالكيّة في العراق الإمام القاضي إسماعيل البغدادي (283هـ/896م)، والإمام أبوبكر الأبهري (375هـ/985م)، والإمام القاضي عبدالوهاب بن نصر البغدادي (422هـ/1031م)، والشّيخ الإمام أحمد بن محمّد العبدي(489هـ/1096م) .
ضعف المذهب في العراق في أواخر القرن الخامس، ثم انتعش في القرن السابع والثامن ومن أشهر علماء المالكية بها في تلك الفترة شيخ المدرسة المستنصرية سراج الدين عمر الشارمساحي (669هـ/1271م)، وقاضي القضاة عز الدين الحسين بن أبي القاسم البغدادي المالكي (ت712هـ/1312م) ، وشرف الدين أحمد بن عسكر البغدادي (ت بعد 759هـ/1358م)، وشمس الدين أبو عبدالرحمن المالكي (ت بعد 770هـ/1368م).
استمرّ المذهب في العراق رغم ضعفه لا سيما في البصرة والزّبير، الّتي انتقل إليها جملة من علماء المذهب، كالشّيخ مبارك بن علي التميمي الأحسائي ) 1230هـ/1815م( بعد أن طلبه شيوخ المنتفق عام (1213هـ/1798م) لنشر العلم والإرشاد بجنوب العراق، حيث إن جميع قبائل المنتفق وآل السّعدون في جنوب العراق من المالكيّة إلى يومنا هذا.
يقول العلامة النبهاني (1369هـ/1949م) في التحفة النبهانية: فالعرب الأصليون من أهل البصرة يتمذهبون بمذهب مالك .